جامع حمودة باشا ...في جوار الزيتونة والصالحين



لا يمكن المرور في نهج سيدي بن عروس دون التوقف ولو لبرهة قصيرة أمام جامع حمودة باشا والتطلّع إلى منارته التي ترتفع لما يقرب من عشرين مترا ، لكن من يدخل إلى هذا المعلم سيعيش من دون شك متعة روحيّة ومشهدية أعمق بكثير سواء كان دخوله من جهة الزّاوية العروسيّة المقابلة لسوق الشواشيّة ، أو من الباب المطلّ على نهج القصبة  أو من باب سوق البلاغجيّة الذي يفتح أيام الجمعة.

يذكر بن أبي دينار أن جامع حمودة باشا " كان موضعه دورا فاشتراها (الباي) من أربابها بثمن طابت به نفوسهم ومبلغه شيء كثير...وأوقف عليه أوقافا جليلة لإمامه وللمؤذنين والقرّاء وما يحتاج إليه وجعل فيه مدرّسا للعلوم الشريفة وجعل إمامه من السادة الحنفية".

 أما محمد بن الخوجة فيذكر في كتابه تاريخ معالم التوحيد بعض المعطيات التاريخية التي تخص هذا الصرح الديني الذي أقيمت به أول جمعة في شهر رمضان من سنة 1655 م فيقول " أن أول خطيب به المفتي الشيخ محمد الأزهري " مضيفا أن ما يميزه عن باقي الجوامع الحنفية الموجودة في المدينة العتيقة هو أنه " محط أفراح أهل تونس لأنهم يتبركون بعقد أنكحتهم فيه ولأنه يكثر به عدد المصلين لكونه مركزا وسطا بين أسواق المدينة ولو أتيح لعرصاته النّطق لأفادتنا بأنها شاهدت أغلب عقود أهل تونس وأبقت النّزر اليسير منها لعموم الزّوايا والجوامع الأخرى بالحاضرة".

الجامع يضم 3 صحون ، في أوّلها تربة البايات والأمراء وفي هذه التربة  قبور مراد الأوّل مؤسّس الدولة المرادية وقبر حمودة باشا وأبنائه مراد الثاني ومحمد الحفصي وحسن، إضافة إلى أبناء مراد الثاني ومنهم محمد باني جامع سيدي محرز كما توجد تربة ثانية في الصحن الشرقي وفيها قبور نساء وأطفال العائلة.

يشير الباجي بن مامي إلى بعض الاختلافات الجزئية بين مئذنة جامع حمودة باشا وتلك التي في جامع يوسف داي فمنارة جامع حمودة باشا أكثر رشاقة وطولاً من الأخرى كما يلفت الانتباه إلى  بعض العناصر الجديدة "ومن بينها خاصة الصحون الثلاثة ، والمحراب المكسوّ جوفه بلوحات المرمر وكذلك بروز العناصر النباتية في تزويق قاعدة أطر الأبواب... وبالرغم من وجود هذه العناصر الجديدة ، فإن الطابع العام يدل على بقاء التأثيرات المحلية قائمة الذات فأطر الأبواب والنوافذ التي تفتح على بيت الصلاة تذكّر بما يوجد في أغلب معالم مدينة تونس ، خاصة منها الفقرات الرخامية المشعّة والمتناوبة البيضاء والسوداء ، وطبيعة البناء نفسه ، وكذلك السّقوف المتمثلة في أقبية متقاطعة ، كل هذا دليل على أن التأثير التركي تمثل في بعض الأجزاء فقط".

رغم تنوع التأثيرات فإن الجامع يبقى أحد أجمل الجوامع في البلاد وهو مثلا يتميز ببيت الصلاة (17 في 24 م) التي تضم 48 عمودا من الرخام الأبيض جلبت خصيصا من مقاطع كرارا بايطاليا أو من إسبانيا ، وبالمنبر الحنفي المبني بنفس الرخام.

هذا النمط المعماري التركي / الحنفي يتجلى أيضا في المحفل وھو كما يقول أحمد السعداوي في دراسته التي عنوانها (ﺟواﻣﻊ ﻋﺛﻣﺎﻧﯾﺔ ﻓﻲ ﺑﻼد اﻟﻣﻐﺎرب) ، "عبارة ﻋن دﻛّﺔ ﺧﺷﺑﯾّﺔ  ﺗﻘﺎم وﺳط ﻗﺎﻋﺔ اﻟﺻﻼة  ﻓﻲ اﺗﺟﺎه اﻟﻣﻧﺑر، ﯾﺟﻠس ﻓوﻗﮭﺎ اﻟﺧوﺟﺎت أو اﻟﻣؤذّﻧون اﻷﺗراك ﻟﻠﺗﺑﻠﯾﻎ أو اﻻﻧﺷﺎد اﻟدﯾﻧﻲ (وهؤلاء) الخوﺟﺎت، ﯾﻛون ﻋﻠﻰ رأﺳﮭم ﻛﺑﯾر ﯾﻠﻘّﺑوﻧﮫ ﺑﺎﻟﺑﺎش ﺧوﺟﺔ...وﻋدد اﻟﺧوﺟﺎت بكل جامع يكون خمسة أنفار باعتبار شيخهم ورواتبهم هي ضعف رواتب المؤذنين المالكيين".

 

  

Please Select Embedded Mode To Show The Comment System.*

أحدث أقدم

نموذج الاتصال