في الطريق إلى عنق الجمل لا بد من المرور بعدد من الجروف الصخرية العالية
المطلة على الأزرق الكبير أو ببعض الشواطئ الرملية الصغيرة ومن بينها برمة القطران
وكاب حمام ورأس القرن (أو شاطئ العسة) وربما كان الموقع الأخير الأكثر حضورا في
النصوص الأركيولوجية ، لكن المنطقة بكليتها هي مجال تاريخي وأركيولوجي غني بالآثار
والمعالم التي اندثر بعضها ومازال قسم كبير منها ينتظر البحث والدراسة الميدانية
ولعل دراسة محمد رياض الحمروني الاستكشافية تعيد مساءلة تاريخ بعض المناطق في
بنزرت خصوصا وهي تفترض أن مدينة "أوزاليس" الرومانية التي تعود جذورها
إلى القرن الثاني قبل الميلاد ليست مدينة العالية التاريخية كما تفيد بذلك مراجع
الرحالة والمؤرخين وإنما هي بالتحديد تلك المنطقة الشاسعة المحاذية للمنارة
الحالية لرأس أنجلة والتي تحتوي على منشآت مينائية ومخازن للبضائع وأحواض لتمليح
الأسماك ومرفأ ومنازل للصيادين وبرجا عسكريا وهذه الآثار التي تمت معاينتها وعثر
حولها على بقايا جرار فخارية معدة لحفظ منتوجات سائلة إنما تدل على أن هذا الموقع
ليس مجرد قرية صغيرة للبحارة بل مدينة بحرية كبيرة تمتد من رأس أنجلة إلى رأس
القرن.
لعل هذه المسألة بالتحديد هي ما يهمنا في الجانب التاريخي المتعلق بشاطئ
عنق الجمل إذ في مكان متقدم جدا من المرتفع المطل على الجزيرة بقايا مبنى من مرحلة
متأخرة يبدو أنه امتداد لهذه المعالم ولمدينة أوزاليس أو ربما هو أحد المحارس
الأغلبية لكننا لسنا مؤرخين ولا باحثين في مجال الأركيولوجيا وما دمنا لم نعثر على
نص يوضح تاريخ إنشائه ووظيفته فلا يمكننا الجزم بشيء.
ربما كانت شواطئ رأس أنجلة في نظر الكثيرين ، الأشهر والأجمل في هذه
المنطقة من السواحل الشمالية ، لكن بحر
رأس أنجلة قد لا يساوي الكثير أمام جمال
بعض الشواطئ التي لا تبعد إلا كيلومترات قليلة يسار المنار العتيق وإذا كان شاطئ
"كاف حمام" كما يسميه أبناء المنطقة يعتبر أكثرها سحرا وغرابة إذ هو في
جزء منه شاطئ في مغارة ، تتوغل الأمواج في قلب التكوين الصخري المجوّف الذي فيه
وتنتهي رحلتها فوق بضعة أمتار من الرمال الداخلية فإن شاطئ عنق الجمل يبقى لوحة
بحرية بديعة وفريدة من نوعها يدل على ذلك إسم هذا المكان الذي يشكل جزيرة صغيرة من
بضعة أمتار تحاكي إلى حد بعيد صورة جمل جاثم في الماء.
للوصول إلى عنق الجمل لا بد من التوغل في ذلك الطريق الحجري العتيق لمسافة
4 كيلومترات انطلاقا من نقطة التقاء طريقي رأس أنجلة ودوار المنارة ، وهذا الطريق
الذي يبدو أقرب ما يكون إلى الطرق الرومانية القديمة الرابطة بين مختلف المدن
الساحلية او بين مدن الداخل والسواحل هو في حالة سيئة جدا ففي أجزاء منه هو مبلط
بالحجارة فيما أجزاء أخرى من هذا المسلك تراكمت فوقها الرمال ما يجعل السير فوقها
صعبا جدا للمترجلين أو أصحاب السيارات السياحية الصغيرة وأما أصحاب العربات رباعية
الدفع أو الشاحنات فالقيادة هنا لا تشكل خطرا.
رغم الحالة السيئة للمسلك المؤدي إلى هذه النقاط البحرية فإن الرحلة داخله
متعة حقيقية إذ تحيط به أشجار الصّنوبر والأكاسيا والنخيل القزم وتفوح على جنباته
روائح الأزهار والنباتات العطرية والطبية وهذا الغطاء النباتي الكثيف الذي صار
متصلا مع الهضاب المحيطة بالمنطقة ولم يعد فقط حاميا للكثبان الرملية من الانجراف
، هو من دون شك نظام طبيعي متنوع تعيش داخله وحوله أنواع عديدة من الحيوانات والزواحف
والطيور الموطنة أو المهاجرة .
شاطئ عنق الجمل يشكل امتدادا طبيعيا لشاطئ سيدي البشير ، وهو بمياهه
الكريستالية ورماله الذهبية النظيفة من البقاع الساحلية الرائعة جدا ولعلنا لن
نبالغ إذا قلنا أنه يذكر بشواطئ الكاريبي وبصفة خاصة في ذلك الجانب الذي فيه
(الجمل / الجزيرة).
الشاطئ الرملي ليس هو هذا المكان بالطبع بل هو يسارا في اتجاه سيدي البشير
وهو بطول 300 متر تقريبا ويقطعه في قسم منه انهيار صخري لا ينقص في شيء من جمال
هذه المنطقة التي تحيط بها من كل ناحية خضرة الهضاب المكسوة بأشجار الصنوبر الحلبي.
وضع كهذا يستدعي تنظيم النشاط الترفيهي على الملك العمومي البحري وحماية هذه الشواطئ الرائعة من التلوث ، وبصفة خاصة توفير الأمن إذ المنطقة غير محمية ولا يوجد فيها أي مرفق أو محل تجاري وقد يكون ذلك عائدا إلى غياب البنية التحتية التي تمكن من القيام بالمراقبة وهذا يحيل على وضعية المسلك الذي يتعين تعبيده في أسرع وقت.