سوق النحاس أو
سوق الصفارين هو من أقدم الأسواق في المدينة العتيقة إذ تعود جذوره إلى العهد
الحفصي ، وقد ذكر الزركشي أن مجبى هذه السوق في عهد السلطان أبي فارس كان في حدود
50 دينارا ذهبيا لكنه لم يكن قطعا من بين أهم الأسواق الحفصية كسوق الرهادنة أو
سوق الامتعة والقماش الذي كان مجباه في حدود 3 آلاف دينار وأما مهنة النحايسية أو
الصفارين فتظل من دون شك واحدة من أبرز المهن التقليدية في الأسواق القديمة وقد
استمرت هذه الأهمية خلال الفترة العثمانية نظرا لارتباطها بالتقاليد الشعبية
والحياة الإجتماعية لسكان المدن الكبرى وخصوصا مدينتي تونس والقيروان.
كانت الأواني
النحاسية تستعمل في الطبخ والأكل وتحضير العولة والغسيل وإعداد القهوة والاستحمام
وغيرها من الأعمال المنزلية وقد أوضح الفرنسي جاك روفو أهميتها الشديدة على الأقل
خلال الحقبة التركية فبيوت الحاضرة والقيروان والمدن الأخرى الكبرى داخل البلاد
كان فيها ما يعرف بـ"بيت الدّوزان" وهو الغرفة المخصصة لهذه الأواني
و"بيت المونة" أو العولة وكانت تقاليد العائلات التونسية تفرض حمل
الأواني القديمة أو التي بها ضرر إلى النحاسين قبل رمضان بفترة قصيرة لقصدرتها أي
لإصلاحها وتعهدها.
تقدم بطاقة جرد
التراث اللامادي التي نشرها المعهد الوطني للتراث الأدوات التي يستخدمها النحاسون ومن
ضمنها "البركار وهو أداة رسم تستعمل لرسم الدّوائر على طبقة النحاس ،
والتكّوم وهو مطرقة حديديّة ، والتّكماك وهو مطرقة خشبيّة إسطوانيّة الرّأس تستعمل
لما يسمّى بمرحلة التقعيد ، والرّيش وهو مطرقة ذات رأس حديدي مسطّح تشبه القادومة
وتستخدم في تدوير النّحاس ، والمقصّ الحديدي ويستخدم لقصّ طبقة النّحاس أو لتفصيل
الأشكال المرسومة فوقها ، والفركة وتتكون من خشبتين سميكتين مقرونتين في أحد
الطرفيين في شكل مثلث تقريبا ، والحديدة وهي عبارة عن قضيب طويل يستخدم مع الفركة
في عمليّة الطّرق ، والزّبرة وهي كتلة حديديّة تماثل السّندان رأسها مربّع أو
مستطيل الشّكل لطرق قطع النحاس ، واللّوش وهو عبارة عن ملعقة كبيرة الحجم يؤخذ بها
النحاس الّذي تمّ تذويبه في الفرن لصبّه في القالب ، والفرن ويستخدم لتذويب
النّحاس وهو يعمل بالهواء و بالغاز وتصل طاقة استيعابه إلى 250 كغ من النّحاس ،
والأقلام المعدنيّة و تستعمل للحفر أو النّقش على قطعة النّحاس وأخيرا مكواة اللّحام وتعمل بالغاز و تستخدم للحم
القطع النحاسيّة بواسطة النار التي تخرج منها" .
أما مراحل الإنتاج
فتدل عليها أيضا مجموعة من المصطلحات هي " التغريق ويتمثل في طرق النحاس
لاظهار جوانبه ، والضّمان وهو تحديب
النّحاس بطرقه حتّى تستقيم الجوانب ، والخلاص وهو تشكيل الآنية بعد إحمائها إلى
حدّ الإحمرار ثمّ طرقها ووضعها في الماء لتأخذ شكلها النهائي ، واللّحام وهو وصل
المعدن ببعضه البعض بواسطة خليط من الزنك والنحاس ، والتّزليس وهو طرق القطعة
لتسويتها نهائيّا بعد اللّحام ، والبرشمة وتتمثل في إضافة المقابض وغيرها من
المتمّمات ، ووضع الأحزمة وهو زخرفة شفاه الأوعية بنطاق نحاسي أو قلبها حول سلك
حديدي ، والقصدرة وهذه المرحلة هامّة لحماية القطعة من الصدأ أو معالجتها عند
تغيّر لونها بسبب كثرة الإستعمال، وهي أيضا مرحلة ضروريّة لجعل القطعة أكثر صحيّة
مع إضفاء لون فضّي برّاق وإن كانت حمراء من الخارج" .
قديما كانت مهنة
النحاسين مرتبطة بالاحتياجات المنزلية للعائلات التونسية فالنحايسي كان مختصا
بصناعة مجموعة من المنتجات التي توظف في الحياة اليومية وكان الطابع الحرفي
التقليدي هو الأساس وعنوان الجودة ويذكر الباجي بن مامي أن الحرفيين المهرة بسوق
النحاسين كانوا يصنعون عددا من الأواني من" أهمها القدر الكبير والصغير والقطّار
لتقطير ماء الزهر وكذلك الإبريق والأطباق والأواني التي تحملها المرأة معها إلى
الحمام من الطفّالة وطاسة الحمّام والسّطل كما يصنع الحلاّب والجغّار وهو كانون
لتدفئة البيوت " وفضلا عن ذلك يتولى النحايسي صناعة المهراس والمقفول
والكسكاس والفوانيس والمرشّ للتعطّر وكذلك معدات الإنارة والزينة كالمبخرة
والشمعدان.