كاب سيرات لؤلؤة جبال مقعد



26 كلم تفصل سجنان عن كاب سيرات نصفها تقريبا بين سجنان ومنطقة "البلاكات" وهي مفترق طرق تؤدي الى المناطق الريفية والى مدينة بنزرت لكن التوغل في المرتفعات الموصلة الى كاب سيرات لن يبدأ الا من هذه العقدة  بالذات ومعه  تحل مشاهد الخضرة وتحضر أشجار الكلاتوس والصنوبر والنباتات الجبلية فيما تغيب أشجار الفرنان ولعل هذا ما يجعل الزائر أمام غطاء جبلي متواضع مقارنة بجبل شيطانة والذي يلتقي مع سلسة جبال خمير على تخوم نفزة وطبرقة .

المعبّد المتعرج و"المحفّر" أحيانا يشرف مع ذلك على مناظر طبيعية خلابة وخصوصا في الجزء المحاذي لباراج القمقوم الذي تبلغ طاقة استيعابه قرابة العشرين مليون متر مكعب.

حالما يجتاز الزائر سد القمقوم يبدأ النزول نحو شاطئ كاب سيرات لكن قبل ذلك لا بد من عبور القنطرة الحديدية الصغيرة التي بنتها الهندسة العسكرية على وادي المالح وبعدها تظهر البيوت المتواضعة في هذا التجمع السكني الذي تكاد الحياة تحوم فيه حول السياحة المحلية والزراعة والصيد التقليدي عن طريق المراكب الصغيرة التي تستخرج ما يجود به البحر من أسماك وإذا كان بحارة كاب سيرات في الشتاء على موعد مع "القاروص" فانهم يستخرجون حسب الفصول وأحوال الطقس المنكوس والورقة والبوري والمناني والمرجان والقراض وعديد الأنواع الأخرى التي تعكس ثراء المخزون السمكي في هذه المنطقة .

أسماك بحر كاب سيرات وعلى غرار المناطق المجاورة في سواحل بنزرت وإن ظلت توفر مورد رزق لعديد العائلات الا أنها نقصت كثيرا مقارنة بالسنوات الماضية نتيجة الصيد العشوائي والوضع لا يختلف كثيرا في الميدان الفلاحي .

منارة عتيقة

في 15 أوت 1890 دشنت منارة كاب سيرات لتبدأ اضاءة المسالك البحرية على مسافة 24 ميلا (45 كيلومترا) ولتكون إحدى المنارات الأساسية (feu de premier ordre) بالسواحل التونسية اذ ترتفع 200 متر عن سطح البحر فيما البناية في حد ذاتها ارتفاعها 14 مترا وهي قد أضحت مع الهضبة التي أقيمت عليها والمناطق المحيطة بها منطقة عسكرية ، شأنها شأن منارة رأس أنجلة .

لا شك أن الاستعمار الفرنسي هو الذي سعى إلى إنارة هذا القسم من السواحل التونسية  فسفنه المبحرة في اتجاه بنزرت والموانئ الأخرى بالبلاد كانت تعترضها عوائق صخرية خطرة تبدأ من أرخبيل جالطة مرورا بجزيرتي الأخوات اللتين تتوسطان المسافة بين كاب سيرات ورأس أنجلة وهو لم يكن يريد أن تلاقي مصير السفينة البريطانية "سبارتان" التي غرقت وعلى متنها 726 جنديا فأنشأ البريطانيون منارة جزيرة الكلاب في عرض سواحل كاب زبيب.

على خلاف المنارات البحرية القديمة في السواحل الأخرى تظل منارة كاب سيرات بعيدة عن العيون ومحتفظة بكامل غموضها وسحرها وهي يمكن أن تتحول إلى مصدر للتنشيط السياحي والتعريف بالتاريخ البحري والعسكري لتونس.

على مدى مئات الأمتار يمتد شاطئ كاب سيرات الرملي الجميل لكن السباحة فيه ليست سهلة الا في فصل الصيف اذ في باقي فصول السنة هو عرضة للرياح العاتية أحيانا والأمواج الهادرة . الشاطئ وعلى النقيض من ذلك تماما هو من أفضل الأماكن لممارسة هواية الصيد بالقصبة أو بالطرق التقليدية وكثيرا ما يقصده هواة هذا النوع من الصيد انطلاقا من العاصمة أو أماكن أخرى داخل الجمهورية .

على بعد عشرات الأمتار من شاطئ كاب سيرات إقامتان سياحيتان توفران السكن والأكل في كل فصول السنة ، الأولى طاقة استيعابها في حدود 30 شخصا وهي الأقدم وأما الثانية ففيها 8 غرف.

على مقربة من الاقامتين بعض المرافق التجارية المتواضعة التي لا تنشط الا في فصل الصيف عندما تكثر الحركة ويأتي المصطافون وهذا ما يحفظ لكاب سيرات جمالها وهدوئها المريح للروح في أغلب فصول السنة .


















 

Please Select Embedded Mode To Show The Comment System.*

أحدث أقدم

نموذج الاتصال